فوائد الكركديه البارد للضغط

الكركديه البارد وخفض ضغط الدم: الفوائد المثبتة والدلالات الطبية

يُعتبر الكركديه، المعروف علميًا باسم Hibiscus sabdariffa، من الأعشاب الطبيعية التي لاقت رواجًا واسعًا في الطب الشعبي والتقليدي في مختلف الثقافات، لا سيما في العالم العربي، إفريقيا، آسيا، وأميركا اللاتينية. ويُستهلك الكركديه على نطاق واسع كمشروب ساخن أو بارد، بفضل طعمه الحمضي المميز ولونه الأحمر الجذاب. غير أن الأهمية الأكبر للكركديه تتجاوز مذاقه الشهي، لتطال فوائده الصحية المؤكدة، وعلى رأسها تأثيره الإيجابي في خفض ضغط الدم المرتفع، خاصة عند تناوله بارداً.

التركيب الكيميائي الفعّال للكركديه

يحتوي الكركديه على مجموعة متنوعة من المركبات النشطة بيولوجياً، التي تفسّر خصائصه الدوائية المتميزة. ومن أهم هذه المركبات:

• الأنثوسيانينات (Anthocyanins): وهي مركبات مضادة للأكسدة تعطي الكركديه لونه الأحمر الداكن، وتعمل على تقوية الأوعية الدموية وخفض الالتهابات.

• الأحماض العضوية: مثل حمض الستريك والماليك، التي تسهم في تنقية الجسم وتنشيط الكلى.

• البوليفينولات (Polyphenols): وتُعد من المركبات الحيوية المهمة التي تحارب الجذور الحرة وتساهم في تنظيم ضغط الدم.

• الفيتامينات والمعادن: يحتوي على كميات معتدلة من فيتامين C، الكالسيوم، الحديد، والفسفور.

الكركديه والضغط: أدلة علمية وممارسات تقليدية

التأثير الخافض للضغط

تشير دراسات علمية متعددة إلى أن شرب الكركديه البارد يسهم بفعالية في خفض ضغط الدم المرتفع، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من فرط ضغط الدم الطفيف إلى المتوسط. ويُعتقد أن هذا التأثير يعود إلى قدرته على توسيع الأوعية الدموية وتقليل المقاومة الطرفية، إلى جانب تأثيره المدر للبول الذي يساعد على تقليل حجم الدم.

في دراسة نُشرت في مجلة The Journal of Nutrition عام 2010، تم إسناد تأثير الكركديه في خفض ضغط الدم إلى وجود مركبات الفلافونويد، والتي تساعد في تثبيط الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE)، وهو الإنزيم الذي يساهم في تضييق الأوعية الدموية ورفع الضغط. وقد أظهرت الدراسة أن تناول ثلاثة أكواب من مشروب الكركديه يومياً لمدة 6 أسابيع ساهم في خفض ضغط الدم الانقباضي بمعدل 7.2 ملم زئبقي مقارنة بمجموعة المراقبة.

الفرق بين الكركديه البارد والساخن

في الطب الشعبي، يُستخدم الكركديه البارد على وجه الخصوص لخفض ضغط الدم، بينما يُنصح بالكركديه الساخن في حالات انخفاض الضغط لتعزيز مستوياته. ويُعزى هذا التباين إلى الاختلاف في كيفية استخلاص المركبات الفعالة حسب درجة حرارة التحضير؛ حيث يُعتقد أن الكركديه البارد يحتفظ بنسبة أكبر من مضادات الأكسدة التي تساعد على خفض الضغط.

آلية عمل الكركديه في تنظيم ضغط الدم

يتفاعل الكركديه مع عدة آليات في الجسم تؤدي إلى تنظيم ضغط الدم:

1. تثبيط الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE): مما يمنع تحويل الأنجيوتنسين I إلى الأنجيوتنسين II، الذي يسبب تضيق الأوعية الدموية وزيادة الضغط.

2. تحفيز إدرار البول: يساعد الكركديه في إزالة الصوديوم الزائد من الجسم، وبالتالي تقليل حجم الدم وتقليل الضغط.

3. تحسين مرونة الأوعية الدموية: بفضل محتواه من مضادات الأكسدة، يعمل على تقوية جدران الأوعية الدموية وتحسين تدفق الدم.

4. خفض التوتر التأكسدي: من خلال تقليل نشاط الجذور الحرة، مما يحمي خلايا القلب والشرايين من التلف.

الاستخدام الأمثل للكركديه البارد

طريقة التحضير المثلى

لتحقيق أقصى فائدة من الكركديه البارد في خفض ضغط الدم، يُنصح باتباع الطريقة التالية:

• نقع حوالي 10 غرامات من أزهار الكركديه المجففة (ما يعادل ملعقتين كبيرتين) في لتر من الماء البارد.

• يُترك النقع لمدة 8 إلى 12 ساعة في الثلاجة.

• يُصفّى المشروب ويُحفظ في زجاجة نظيفة ويُشرب بارداً خلال اليوم.

من الأفضل تجنب غلي الكركديه إذا كان الهدف منه خفض الضغط، لأن الحرارة قد تقلل من فعالية بعض المركبات النشطة مثل الأنثوسيانينات.

الجرعة اليومية الموصى بها

تشير الدراسات إلى أن تناول ما بين كوبين إلى ثلاثة أكواب يومياً من الكركديه البارد يمكن أن يكون فعالاً في خفض ضغط الدم لدى معظم الأفراد. ومع ذلك، يجب ألا تُستبدل هذه الطريقة بالعلاج الدوائي دون استشارة الطبيب المختص، خاصة في حالات ارتفاع الضغط المزمن أو الشديد.

الفئات المستفيدة من تناول الكركديه البارد

1. مرضى ارتفاع ضغط الدم الطفيف أو المتوسط.

2. الأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بأمراض القلب.

3. الذين يعانون من احتباس السوائل أو الانتفاخ.

4. من يتبعون حمية خالية من الصوديوم أو منخفضة الصوديوم.

5. مرضى السكري من النوع الثاني (حيث يساعد في تقليل عوامل الخطورة المصاحبة).

محاذير استخدام الكركديه البارد

رغم الفوائد العديدة، فإن استخدام الكركديه البارد لا يخلو من بعض المحاذير التي يجب الانتباه إليها:

• انخفاض ضغط الدم الزائد: في حال الإفراط في تناوله، قد يؤدي إلى انخفاض مفرط في ضغط الدم، خاصةً لدى المرضى الذين يتناولون أدوية خافضة للضغط.

• التداخلات الدوائية: يمكن أن يتداخل الكركديه مع بعض الأدوية، مثل مدرات البول ومضادات ارتفاع الضغط من فئة مثبطات ACE، مما قد يعزز تأثيرها أو يضاعف آثارها الجانبية.

• تأثير على الخصوبة: أظهرت بعض الدراسات الحيوانية أن الإفراط في تناول الكركديه قد يكون له تأثير مثبط مؤقت على الخصوبة، وهو ما يستدعي المزيد من البحث في هذا المجال.

• الحمل والرضاعة: لا توجد دراسات كافية تؤكد سلامة استخدام الكركديه أثناء الحمل أو الرضاعة، لذا يُفضل تجنبه في هذه الفترات أو استشارة الطبيب.

جدول توضيحي: مقارنة بين الكركديه البارد والساخن وتأثيرهما على الضغط

الكركديه في الطب الشعبي والتقليدي

في الطب الفرعوني، وُجدت نقوش تدل على استخدام أزهار الكركديه ضمن الوصفات العلاجية لتحسين الدورة الدموية وتنشيط الكبد. وفي الطب الإفريقي التقليدي، يُستخدم الكركديه لعلاج التهابات الكلى وتنظيف المثانة. أما في الطب الصيني، فقد استُخدم كمنشط للقلب ومحسن للهضم.

في البلدان العربية، خاصة في مصر والسودان، يُعد الكركديه البارد من المشروبات التقليدية المفضلة في الصيف، وقد اقترن اسمه بالعلاج المنزلي لضغط الدم المرتفع، وهو لا يزال يُوصى به شعبياً إلى اليوم.

خلاصة علمية

تشير الأدلة السريرية والطبية إلى أن الكركديه البارد يُعتبر من المشروبات النباتية الطبيعية الآمنة والمفيدة في المساعدة على خفض ضغط الدم المرتفع عند استخدامه بانتظام وبالجرعة المناسبة. وهو يشكل إضافة فعالة لنمط حياة صحي متكامل يشمل التغذية المتوازنة، تقليل الصوديوم، ممارسة الرياضة، والابتعاد عن التوتر. ومع ذلك، فإن استخدام الكركديه لا يُغني عن العلاج الدوائي أو المتابعة الطبية في حالات الضغط المرتفع المزمن أو المعقد.

المراجع

1. McKay, D. L., & Blumberg, J. B. (2010). Hibiscus sabdariffa L. tea (tisane) lowers blood pressure in prehypertensive and mildly hypertensive adults. The Journal of Nutrition, 140(2), 298–303.

2. Hopkins, A. L., Lamm, M. G., Funk, J. L., & Ritenbaugh, C. (2013). Hibiscus sabdariffa L. in the treatment of hypertension and hyperlipidemia: a comprehensive review of animal and human studies. Fitoterapia, 85, 84–94.